هذه العبارة الهزلية في الكوميديا المصرية تعود الى الذاكرة دائما في وصف التفوق الأمريكي الذي لا نملك تجاهه سوى الشعور بالدونية، والتأخر أو الإعجاب أو الحسرة أو الحسد أو في أسوأ الحالات الكراهية والعجز التام! والتركيز على التفوق هو ما أكده أوباما في خطبة الفوز بانتخابات الرئاسة حين قال: «نحن دولة قوية، والعالم يحسدنا على ما نحن عليه في المجال العسكري والاقتصادي والعلمي»، وباهى بالديمقراطية الأمريكية ومبادئها، بل زاد بإعلان نيته الاتصال بمنافسه رومني لبحث سبل التعاون المستقبلي، بعد شهور من معارك كسر العظم بينهما، ولكن ما فات مات let bygones be bygones، والآن حان وقت العمل للدولة والمواطنين وتحييد الصراعات والنزاعات حتى وقت الانتخابات القادمة حين تحين جردة حسابات جديدة للشخصيات والانجازات مرة أخرى.
لا يملك معظمنا في الوطن العربي الا أن نرفع القبعات للنموذج الأمريكي الديمقراطي الذي يكشف عن سوأات تجاربنا المحلية العربية، ويقدم كل ما نتمناه ونفتقده من النزاهة والمساواة في المواطنة والبرامجية وحرية التعبير والشفافية والمحاسبة، ولكن هذا النموذج محصور في ذات الدولة ولا تسمح أمريكا بتصديره الى العالم العربي؛ لأنها لا تتحمل نتائج الخيار الحر للشعوب العربية الذي يمكن أن يقدمها على قدم المساواة والشراكة أمام أمريكا، وليس بمفهوم التبعية والتنفيذ لسياسات أمريكا في العالم! لا تتحمل أمريكا نتائج الخيار الحر للشعوب العربية بالذات لو كان خيارا إسلاميا، ولا تبقي وسيلة ضغط خارجية، ولا عمالة داخلية الا وتستخدمها للتخويف والعرقلة والتأثير في قرارات الشعوب العربية، هذا غير الضغط على الحكومات القائمة المستبدة، والنفخ في مواتها قدر الإمكان حتى لا تتمكن الشعوب من الحكم والتشريع والخروج عن بيت الطاعة الأمريكي!
هذه التجربة الديمقراطية التي تذهب بلب الناظرين والمتابعين لها وجه آخر من أمريكا نفسها، ولها منظرون لا يشاركون الإدارة الأمريكية رؤيتها في تفوق أمريكا، فها هي شبكة اتش بي او HBO التلفزيونية تبث مسلسلا بعنوان غرفة الأخبار Newsroom، يحاول تقديم خفايا الإعلام وتأثيره في صناعة السياسة، واحدى الحلقات الافتتاحية تصور ندوة مع مجموة من الاعلاميين المشهورين وطلاب الجامعة، حيث تسأل إحدى الطالبات: لماذا أمريكا أعظم دولة في العالم؟ why America is the greatest country in the world?
فتجيب الاعلامية الضيفة: التعددية وتوفر الفرص، ويجيب احد الضيوف الآخرين: الحرية والحرية فلنبقها على هذا المنوال، ثم يأتي دور اعلامي آخر ويقلب الطاولة على من سبقه، ويقدم أسبابا يجب التفكير بها وبما وراء النص الدرامي إذا أردنا تكوين صورة متوازنة عن أمريكا فيقول: هي ليست أعظم دولة في العالم، فنحن لسنا الدولة الحرة الوحيدة في العالم، كندا لديها حرية، وكذلك اليابان وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا واسبانيا واستراليا وبلجيكا و180 دولة على مستوى العالم لديها حرية.
ثم يتوجه الى الطالبة التي طرحت السؤال، ويقول لها: عندما تتوجهين لغرفة التصويت في الانتخابات تذكري أن ليس هناك ما يدعم فرضية كوننا أعظم دولة في العالم، فنحن نحتل المرتبة 7 في التعليم، والمرتبة 27 في الرياضيات، والمرتبة 22 في العلوم، والمرتبة 49 في معدل توقع الحياة، والمرتبة 178 في وفيات الأطفال، والمرتبة 4 في القوة العمالية وفي التصدير، نحن نتفوق على العالم فقط في الانفاق على التسليح والدفاع وفي عدد البالغين الذين يؤمنون أن الملائكة موجودون.
ثم يضيف: ولكننا كنا الأفضل عندما كنا ندافع عن الفضيلة، ونقاتل من أجل الاخلاق والحق، خضنا الحروب ضد الفقر وليس ضد الفقراء، كنا نضحي ونحب جيراننا ونساعد الآخرين، بنينا واخترعنا ووصلنا النجوم وبقينا بشراً، كنا نقدر العقل والعبقرية ولا نستخف بهما، لم نتخندق ونتحزب ونعرف أنفسنا بمن انتخبناه، كنا مثقفين ولم نستعمل التخويف كأسلوب سهل في التعامل مع الآخرين! أول خطوة لحل المشكلة ولنعود كما كنا أن ندرك أننا لم نعد أعظم دولة في العالم!
هذه فئة، ووجه آخر للحلم الأمريكي الذي انقلب الى كابوس في حياة كثير من الشعوب التي ما ذاقت إلا حصرمه، هذه فئة من الداخل الأمريكي استفاقت من أساطير المثالية، ولم تعد تضللها الصورة التي تظهر على السطح للاستهلاك الاعلامي فقط، فنظرة الى بعض الاحصائيات الاجتماعية والانسانية الأخرى ترينا ارتفاعا في نسب الجريمة والأمراض النفسية والتفكك الأسري التي لم تستطيع أن توفرها أمريكا لشعوبها برغم امكاناتها اللامحدودة، وظلت نموذج تفوق في الماديات، وقصر في الناحية القيمية والروحية والميزان لا ينعدل الا بهما، والعرب لا ينافسون لا في هذه ولا في تلك! فهم ليسوا أحسن حالا حتى في مجال القيم والأخلاق.
إن من الغبن والتحيز أن نقلل تماما من انجازات الديمقراطية الأمريكية، ولكننا لا يجب أن نغالي في تقييمها، ونراها ضمن معادلة الأسباب والنتائج والسياق التاريخي والسياسي بالذات ما يؤثر فينا، فليس كافيا ان تكون شريفا في بلدك تلبس أثواب الملائكة، ثم تنقلب شيطانا في بلاد الآخرين، الفضيلة التي تتجزأ وتختلف بحسب الزمان والمكان ليس فضيلة، وإنما نفاق وخديعة.
النموذج ليس كاملا، له محاسنه وكثير من السيئات، وعلى من يسيرون ببلادهم من العرب نحو الحرية والمؤسسية أن ينخلوا الخبث، ويتركوا الزبد، ويأخذوا الايجابيات فقط، وهي موجودة في تاريخهم لو كانوا يعقلون.
جلباب أمريكا الديمقراطي ليس كاملا، وجلابيبنا أسوأ حالا، والحل هو بالمواءمة بين الأفضلين وليس الرضى بأهون الشرين.
رابط مقطع اليوتيوب:
لا يملك معظمنا في الوطن العربي الا أن نرفع القبعات للنموذج الأمريكي الديمقراطي الذي يكشف عن سوأات تجاربنا المحلية العربية، ويقدم كل ما نتمناه ونفتقده من النزاهة والمساواة في المواطنة والبرامجية وحرية التعبير والشفافية والمحاسبة، ولكن هذا النموذج محصور في ذات الدولة ولا تسمح أمريكا بتصديره الى العالم العربي؛ لأنها لا تتحمل نتائج الخيار الحر للشعوب العربية الذي يمكن أن يقدمها على قدم المساواة والشراكة أمام أمريكا، وليس بمفهوم التبعية والتنفيذ لسياسات أمريكا في العالم! لا تتحمل أمريكا نتائج الخيار الحر للشعوب العربية بالذات لو كان خيارا إسلاميا، ولا تبقي وسيلة ضغط خارجية، ولا عمالة داخلية الا وتستخدمها للتخويف والعرقلة والتأثير في قرارات الشعوب العربية، هذا غير الضغط على الحكومات القائمة المستبدة، والنفخ في مواتها قدر الإمكان حتى لا تتمكن الشعوب من الحكم والتشريع والخروج عن بيت الطاعة الأمريكي!
هذه التجربة الديمقراطية التي تذهب بلب الناظرين والمتابعين لها وجه آخر من أمريكا نفسها، ولها منظرون لا يشاركون الإدارة الأمريكية رؤيتها في تفوق أمريكا، فها هي شبكة اتش بي او HBO التلفزيونية تبث مسلسلا بعنوان غرفة الأخبار Newsroom، يحاول تقديم خفايا الإعلام وتأثيره في صناعة السياسة، واحدى الحلقات الافتتاحية تصور ندوة مع مجموة من الاعلاميين المشهورين وطلاب الجامعة، حيث تسأل إحدى الطالبات: لماذا أمريكا أعظم دولة في العالم؟ why America is the greatest country in the world?
فتجيب الاعلامية الضيفة: التعددية وتوفر الفرص، ويجيب احد الضيوف الآخرين: الحرية والحرية فلنبقها على هذا المنوال، ثم يأتي دور اعلامي آخر ويقلب الطاولة على من سبقه، ويقدم أسبابا يجب التفكير بها وبما وراء النص الدرامي إذا أردنا تكوين صورة متوازنة عن أمريكا فيقول: هي ليست أعظم دولة في العالم، فنحن لسنا الدولة الحرة الوحيدة في العالم، كندا لديها حرية، وكذلك اليابان وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا واسبانيا واستراليا وبلجيكا و180 دولة على مستوى العالم لديها حرية.
ثم يتوجه الى الطالبة التي طرحت السؤال، ويقول لها: عندما تتوجهين لغرفة التصويت في الانتخابات تذكري أن ليس هناك ما يدعم فرضية كوننا أعظم دولة في العالم، فنحن نحتل المرتبة 7 في التعليم، والمرتبة 27 في الرياضيات، والمرتبة 22 في العلوم، والمرتبة 49 في معدل توقع الحياة، والمرتبة 178 في وفيات الأطفال، والمرتبة 4 في القوة العمالية وفي التصدير، نحن نتفوق على العالم فقط في الانفاق على التسليح والدفاع وفي عدد البالغين الذين يؤمنون أن الملائكة موجودون.
ثم يضيف: ولكننا كنا الأفضل عندما كنا ندافع عن الفضيلة، ونقاتل من أجل الاخلاق والحق، خضنا الحروب ضد الفقر وليس ضد الفقراء، كنا نضحي ونحب جيراننا ونساعد الآخرين، بنينا واخترعنا ووصلنا النجوم وبقينا بشراً، كنا نقدر العقل والعبقرية ولا نستخف بهما، لم نتخندق ونتحزب ونعرف أنفسنا بمن انتخبناه، كنا مثقفين ولم نستعمل التخويف كأسلوب سهل في التعامل مع الآخرين! أول خطوة لحل المشكلة ولنعود كما كنا أن ندرك أننا لم نعد أعظم دولة في العالم!
هذه فئة، ووجه آخر للحلم الأمريكي الذي انقلب الى كابوس في حياة كثير من الشعوب التي ما ذاقت إلا حصرمه، هذه فئة من الداخل الأمريكي استفاقت من أساطير المثالية، ولم تعد تضللها الصورة التي تظهر على السطح للاستهلاك الاعلامي فقط، فنظرة الى بعض الاحصائيات الاجتماعية والانسانية الأخرى ترينا ارتفاعا في نسب الجريمة والأمراض النفسية والتفكك الأسري التي لم تستطيع أن توفرها أمريكا لشعوبها برغم امكاناتها اللامحدودة، وظلت نموذج تفوق في الماديات، وقصر في الناحية القيمية والروحية والميزان لا ينعدل الا بهما، والعرب لا ينافسون لا في هذه ولا في تلك! فهم ليسوا أحسن حالا حتى في مجال القيم والأخلاق.
إن من الغبن والتحيز أن نقلل تماما من انجازات الديمقراطية الأمريكية، ولكننا لا يجب أن نغالي في تقييمها، ونراها ضمن معادلة الأسباب والنتائج والسياق التاريخي والسياسي بالذات ما يؤثر فينا، فليس كافيا ان تكون شريفا في بلدك تلبس أثواب الملائكة، ثم تنقلب شيطانا في بلاد الآخرين، الفضيلة التي تتجزأ وتختلف بحسب الزمان والمكان ليس فضيلة، وإنما نفاق وخديعة.
النموذج ليس كاملا، له محاسنه وكثير من السيئات، وعلى من يسيرون ببلادهم من العرب نحو الحرية والمؤسسية أن ينخلوا الخبث، ويتركوا الزبد، ويأخذوا الايجابيات فقط، وهي موجودة في تاريخهم لو كانوا يعقلون.
جلباب أمريكا الديمقراطي ليس كاملا، وجلابيبنا أسوأ حالا، والحل هو بالمواءمة بين الأفضلين وليس الرضى بأهون الشرين.
رابط مقطع اليوتيوب:
http://www.youtube.com/watch?v=eVwUphZ37Ww